هبة ريف :
هذه دعارة يمارسها الرجال. أما الفتيات الصبايا من التلميذات القاصرات فهن الضحايا، يتم التغرير بهن لاستدراجهن إلى سرير الجريمة.
أفراد وعصابات، موظفون وأساتذة وإداريون، في بعض الأحيان، وعصابات وشبكات منظمة وغير منظمة، لا تكاد تخلو منها مدينة أو جهة من جهات المغرب، كما سنتابع في هذا الملف، للكشف عن تفاصيل هذه الجريمة.
غير أنها جريمة لا تكاد تنتهي. فقد يكون المقابل ماديا، وقد يكون جرعات من المخدرات تدمنها التلميذات فتستسلمن لممارسات جنسية لا تتوقف. وقد يكون المقابل ضمان النجاح في الامتحان، وقد يكون هناك ما لا يخطر على بال الإنسان، وهذا ما حدث هنا في تطوان.
اليوم الأول
شبكة يقودها مغربي مقيم في بلجيكا وشاب يشتغل بالنجارة. تعرفا على شاب يملك منزلا في جماعة بن قريش، في ملكية والده المتواجد في السجن، وهو منزل يوجد على بعد ستة كيلومترات شرق مدينة تطوان. قاما باستدراج عدد من التلميذات إلى ذلك المنزل، وأغلبهن من نفس المؤسسة التعليمية. وهو ما يرجح، تقول مصادر أمنية، أن فتاة من تلك الثانوية قد دخلت على الخط مع الشبكة، باكرا، لاستدراج بقية الضحايا. غير أن الشخصين المذكورين، الموجودين اليوم رهن الاعتقال، لجآ إلى تسجيل أشرطة فيديو للفتيات وهم يمارسون عليهن الجنس. وبعد ذلك، يتم تهديدهن بتلك الأشرطة، من أجل العودة إلى البيت، والاستسلام لرغباتهم. كان ذلك أكبر مخطط شيطاني لاستدراج التلميذات القاصرات من ثانويات المدينة. فكيف تم تفكيك هذه الشبكة؟ ومن كان وراء ذلك؟
يعود الفضل في ذلك إلى آخر ضحية من ضحايا هذه الشبكة. تلميذة كانت تتواجد رفقة ثلاث من صديقاتها في منطقة بوعنان الغابوية، على الطريق المؤدية إلى جماعة بنقريش المذكورة. ولم تكن تعرف، على حد تصريحاتها، أن سيارة ستلتحق بهما، وعلى متنها الشخصان المذكوران. وبينما رفضت إحدى التلميذات ركوب السيارة، فقد ركبت الفتاة رفقة التلميذتين الأخريين، لتتوجه السيارة مباشرة إلى المنزل المذكور. هناك، حيث كان صاحب المنزل حاضرا رفقة عشيقته غير القاصر، وهناك سوف يقوم مرافق السيارة باقتياد الضحية إلى غرفة النوم، ليرغمها على ممارسة الجنس معه، على حد تصريحاتها، دائما، حيث اغتصبها، رغم مقاومتها، وقام بضربها من أجل الاستجابة لنزواته. قبل أن يأتي دور مشاركه، الذي قام بنفس الممارسة، وباستعمال العنف، وإطلاعها في النهاية على شريط الفيديو الذي تم تصويره للتو. هنا، تروي والدة الضحية، في لقاء مع "الحياة" أن ابنتها عندما كانت تصرخ، تدخل صاحب المنزل وهو يقول لها: "لا جدوى من الصراخ. شحال غوتوا قبل منك أو ما قضاو والو". وهنا، تشير مصادرنا إلى أن ابن صاحب المنزل كان قد تعرض هو الآخر للتهديد، منذ مدة، عندما قام المتهمان المذكوران بتصويره وهو يمارس الجنس رفقة عشيقته البالغة، وهدداه بفضح أمره إذا لم يفتح بيته في وجه نزواتهما. غير أن ابن صاحب المنزل سوف يصرح بأنه لم يكن على علم بعملية تصوير الفتيات ضحايا صديقيه، من خلال وضع حاسوب شخصي أمام السرير، بدعوى تشغيل أغان أو فيلم، بينما كانت كامرا الحاسوب تصور ما يجري فوق سرير الجريمة.
عمر الضحية لا يتجاوز 15 عاما، غير أنها استطاعت تفجير أكبر ملف من ملفات "دعارة الثانويات" في المغرب. بعدما تعرضت لما تعرضت له، لم تستطع الضحية العودة إلى بيت والديها. ولأن المتهمَين، باعترافهما، وبوجود الأدلة، قد حملاها على متن السيارة إلى حي صديقتها، في وقت متأخر، فقد فضلت البقاء في بيت صديقتها، في انتظار التفكير في خلاص لفضيحتها.
في تلك الليلة، كانت والدتها تكاد تجن، وهي تبحث عن ابنتها، رفقة كل العائلة والمقربين. تم إشعار ولاية الأمن بالمدينة، لتتم إحالتهم على الدائرة الأمنية الكائنة بباب العقلة، إحدى بوابات المدينة العتيقة.
في اليوم الموالي
في اليوم الموالي، كانت العائلة قد طَوّفَتْ كل المدينة دون جدوى. غير أن للأم على ابنتها دليلا لا يضل الطريق. قررت الأم الذهاب إلى الثانوية للسؤال عن ابنتها، ولأن ولاية الأمن (الكوميسارية) قريبة كل القرب، فقد قصدت الوالدة هذا المقر، من جديد، لتسألهم عما إذا كانوا قد عثروا على ابنتها. وفي الطريق الأليم، عاينت الأم ابنتها وهي قادمة في اتجاهها. أدركت الأم أن فرحة اللقاء لا يمكن أن تتحقق. وأن ابنتها سوف تهرب منها لا محالة. وهنا، قررت الأم أن تختفي لتتربص بابنتها، إلى حين القبض عليها. أدارت ظهرها لابنتها، عندما اقتربت منها، وادعت أنها تعانق طفلة مرت بالقرب منها. وعندما حاولت الإمساك بابنتها، عندما مرت من أمامها، تعرفت الفتاة الضحية إلى أمها من لون ملابسها، ففرت بعيدا. استنجدت الأم بشباب كانوا بالقرب منها، سألوها: "هل أنت الأم التي كانت تبحث عن ابنتها بالأمس". ووعودها بالقبض عليها، وكذلك كان.
تم القبض على الفتاة، فقادت الأم ابنتها إلى البيت. في تلك الليلة، تجنبت الحديث معها عن أي موضوع، بعدما أقنعتها بأنها باتت مع صديقتها، لأنهما وصلا في وقت متأخر، ولأن تلك الصديقة تقيم في حي خطير، هو المعروف في تطوان بحي "عيساوة"، وما كان لها أن تغادر في ذلك الوقت. حان موعد النوم، وانتبهت الأم إلى أن ابنتها، حتى وقد نامت، فقد كانت في حالة خطيرة، تهتز في فراشها وتهذي وتصرخ وهي نائمة.
اليوم الثالث
في اليوم الثالث، وبعد إصرار الأم، التمست الفتاة الضحية من أمها أن تجلس بعيدا عنها، في كرسي مقابل، حتى تحكي لها تفاصيل ما جرى. قبلت الأم بالمقترح، فاعترفت البنت لأمها بكل الحكاية. حينها فقط، استسلمت الطفلة القاصرة الضحية للنوم، بخلاف والدتها، التي هرعت لزوجها تخبره بما وقع.
الزوج الذي التقت به "الحياة" ليس سوى عامل في مقهى من المقاهي التي لا تحصى في الإقليم. أسر بالموضوع لأحد الجالِسَيْنِ على كراسي المقهى، دون أن يعرف أن الجالس الثاني ليس سوى مقرب من رئيسة جمعية الاتحاد النسائي في الإقليم. وهنا، دخل المجتمع المدني على الخط، ووصل الأمر في الصباح الباكر إلى المصالح الأمنية على مستوى الإقليم. تم الاستماع للضحية، فأصبحت الطريق معبدة نحو تفكيك أخطر شبكة "دعارة الثانويات" في المدينة، وفي المغرب كله.
بعد هذه الشكاية، شرعت المصالح الأمنية في عملية البحث عن المتهمين، لتعثر عليهما، وهما على متن السيارة المشتبه فيها. ولحسن الحظ، فقد عثرت الشرطة، بداخل السيارة، على الأدلة الكافية والمقنعة. تمت مواجهة المتهمين بالأشرطة التي وجدت في الحاسوب، كما تمت مواجهتهم بالتلميذات القاصرات الضحايا. تمت إحالة المتهمين على غرفة الجنايات الابتدائية، وبعد خمس جلسات، لايزال هذا الملف يروج في المحاكم، بينما اتفق أحد المتهمين مع والد إحدى القاصرات على أن يتزوج ابنته عندما تصل سن الرشد، مقابل تنازلها. وإن كان هذا لن يعفيه من الجرائم التي ارتكبها في حق التلميذات القاصرات الأخريات. كما يستبعد أن يوافق قاضي التوثيق على ذلك، يقول دفاع التلميذات القاصرات، في استجواب ننشره ضمن هذا الملف. أما الضحية القاصر التي كشفت عن هذه الشبكة، فقد سعى البعض إلى إقناع أسرتها بالتنازل، وكانت هناك محاولة لشراء صمتها، غير أن الأسرة تطالب بالاقتصاص لابنتها وبرد الاعتبار لكرامتها، هي التي أضاعت سنة دراسية كاملة، بسبب الحالة النفسية التي أصبحت تعيشها، يقول تقرير الطبيب النفسي الذي يباشر علاج التلميذات. ورغم أن الأسرة غيرت محل الإقامة، وحاولت تسجيل ابنتها في مدرسة أخرى، بعيدا عن ثانويتها الأولى، بعدما أصبحت الحكاية حديث التلاميذ والأساتذة، رغم ذلك، لم تستطع التلميذة مواصلة دراستها حاليا. ثم إن الثانوية كانت قد رفضت في البداية إعادة تسجيل التلميذات الضحايا الأربع، الأمر الذي أثر أكثر على نفسيتهن ومستقبلهن، وهن يشعرن بأنهن كائنات غير مرغوب فيهن، رغم أنهن قاصرات غير مسؤولات عما جرى لهن.
من المسؤول عن دعارة الثانويات في المغرب؟
إذا كان القانون الجنائي المغربي قد خص من يمارس الدعارة على القاصرات بأقصى العقوبات، من 5 إلى 10 سنوات، حسب الفصل 471، ومن 10 إلى 20 سنة، بالنسبة إلى هتك العرض مع استعمال العنف، و30 سنة في حال الافتضاض (الفصل 485 و488)، فضلا عن الفصلين 490 و502، والفصل 59 من قانون الصحافة الخاص بتجريم حيازة الأفلام الخليعة والصور المخلة بالحياء، إذا كان ذلك كذلك، فإن الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، كما صادق عليها المغرب سنة 1996، توسع من دائرة المسؤولين عن
"دعارة الثانويات"، لتشمل المؤسسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية وحماية الأطفال. فديباجة الاتفاقية تنص على أن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقائية ورعاية خاصة". أما المادة 3 من الاتفاقية، فتنص على أنه "تكفل الدول الأطراف أن تتقيد المؤسسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية وحماية الأطفال بالمعايير التي وضعتها السلطات المختصة، ولا سيما في مجالي الصحة والسلامة".
في هذا الغلاف، نكشف، أيضا، عدم توفير الحماية للقاصرين في محيطهم المدرسي، بما يجعلهم ضحايا لأبشع عمليات الاستغلال الجنسي، كما أكدت ذلك الوقائع في مدن كثيرة، تشمل كل جهات المغرب.
إدمان الدعارة أو الدعارة الحمراء
تقترن دعارة الثانويات في المغرب بالإدمان، بشكل لافت. وفي قضية تطوان، تم صب الخمر للفتيات الضحايا، إضافة إلى سجائر محشوة بالحشيش، كما جاء في اعترافات الضحايا والمتهمين، قبل استدراجهن إلى ممارسة الجنس.
وفي السنة الماضية، تم القبض على فرنسي كان يستدرج تلميذات قاصرات، وكان يناولهن الخمر، قبل أن يستجبن لرغباته. وقد كشفت التحقيقات مع الفتيات أنهن كن يقصدن شقته المجاورة للثانوية، بهدف احتساء الخمر التي يوفرها لهن، فضلا عن بعض المبالغ المالية. وفي نفس المدينة، تم القبض، في ماي 2008، على شخص وفتاة راشدة كانا يعملان ضمن شبكة متخصصة في التغرير بالقاصرات، وجلبهن لفائدة بعض الأشخاص في شقق مفروشة. وكانت طريقة الاستدراج تتم عبر مناولتهن الخمر، وبعدها يلتحق بالشقة من سيقوم باستغلالهن جنسيا. وتقول التحريات الأمنية إن الأمر يتعلق بشبكة خطيرة تنشط على مستوى المدينة، وأنه رغم اعتقال الاثنين، إلا أنهما لم يكشفا عن باقي أفراد الشبكة. وهو ما يؤكد مدى خطورة هذه الشبكة المتعددة الأطراف. وفي نفس الفترة، كانت المصالح الأمنية بمدينة أكادير قد أوقفت ثلاثة أشخاص بالمدينة، كانوا يقومون باستدراج الفتيات إلى بعض الشقق المفروشة، لممارسة الجنس عليهن، بعد أمسيات حمراء لاحتساء الخمر. وقد تم القبض على عدد من الأشخاص في هذه الشبكة، بسبب لجوء المتابعين الثلاثة إلى تصوير الضحايا من التلميذات القاصرات في أوضاع جنسية مع بعض الأشخاص. وفي مدينة فاس، فككت المصالح الأمنية شبكة مماثلة في ربيع 2009، كانت تنشط في ما نسميه في هذا الملف "دعارة الثانويات"، التي يمارسها هؤلاء في حق التلميذات القاصرات.
الثانويات ومقاهي الشيشة والحشيش
بمدينة الدار البيضاء، كانت آخر شبكة متخصصة في هذا الملف قد ألقي القبض على عناصرها في مقهى للشيشة في قلب المدينة. وتنتشر مجموعة من مقاهي الشيشة إلى اليوم في محيط الثانويات، في أهم شوارع المدينة.
تقول إحدى العاملات سابقا في مقهى للشيشة بالمدينة إن مجموعة من التلميذات يترددن على المقهى، وبعدها يقمن باكتشاف الشيشة. وهناك من يقدم لهن حشيشا في الشيشة من أجل تجريبه. ولأنه ممنوع في المقهى، يطلب منهن الذهاب إلى بعض الشقق بهدف التعاطي للشيشة، رفقة الحشيش. ومن هنا، يتم اقتياد الضحايا إلى ممارسة الجنس. انتهى كلام العاملة في المقهى. وفي مدينة فاس، تم القبض في السنة الماضية على شبكة متخصصة في التلميذات، كانت تصطادهن من نفس المقهى الذي يقدم الشيشة للزبناء. وقد كشفت ثلاث تلميذات من اللواتي تم التحقيق معهن أنه تم استدراجهن من نفس المقهى، ليتم فتح تحقيق، بعدها، مع صاحب المقهى نفسه، الذي نفى أي علم له بما تقوم به التلميذات، كما نفى أن يكون سمح لأية فتاة قاصر بتعاطي الشيشة داخل المقهى التي يملكها.
وبالعودة إلى مدينة تطوان، وبحكم رواج الحشيش في هذه المدينة الحدودية، أصبح محيط الثانويات فضاء لترويج المخدرات، تذهب ضحيته التلميذات بالأساس، خاصة وأنهن لا يمكن أن يدخن في الشارع العمومي، فبالأحرى عندما يتعلق الأمر بالمخدرات. وهذا ما يدفعهن إلى قبول أي عرض بالدخول إلى إحدى الشقق المفروشة لتعاطي المخدرات. والنتيجة، في النهاية، ممارسة الجنس.
والخطير في الأمر، يقول بعض الأساتذة الذين التقت بهم "الحياة"، أنك تجد أمام كل مؤسسة تعليمية شخصا أو شخصين يبيعان الحلويات والسجائر لفائدة التلاميذ، فوق عربات خشبية أو شبه أكشاك صغيرة، مع أن أغلبهم يشتبه في أنه يبيع المخدرات بالتقسيط.
اختراق المحيط المدرسي وغياب الأمن والإدارة
كما جاء في تصريحات المحامي عبد اللطيف قنجاع في هذا الملف، فإن المشكلة تبدأ من المؤسسة التعليمية نفسها، في غياب حماية أمنية، وفي غياب متابعة الإدارة لغيابات التلاميذ، وعدم إشعار أولياء الأمور بالتغيبات. أما بالنسبة إلى المصالح الأمنية، فيفترض فيها أن تضمن تواجدا أمنيا أمام كل مؤسسة تعليمية، خلال كل يوم، من الثامنة إلى السادسة مساء. وهو ما لا يقوم به هؤلاء، رغم أن المصالح الأمنية الإقليمية تجتمع مع المسؤولين في نيابات التعليم بداية كل سنة، من أجل توفير الحماية الأمنية أمام المؤسسات التعليمية. وهو ما يسمح لعدد من الأشخاص بالوقوف لساعات أمام أبواب الثانويات، ينتظرون سقوط أية تلميذة في مصيدتهم وصعودها إلى السيارة. "مشهد يتكرر كل ساعة أمام الثانوية"، يقول أحد الأساتذة.
وماذا عن الأساتذة والإدارة؟
إذا كانت التلميذة القاصر لا تتوفر على حماية أمنية في محيط المدرسة، كما أن عددا من الإدارات لا تبلغ الأسر بتغيب أبنائها عن فصول الدراسة، فإن التلميذات القاصرات لم يسلمن من الاستغلال الجنسي، حتى على يد مدير المؤسسة نفسه، كما وقع في طنجة في شهر أبريل من السنة الماضية، عندما كشفت اعترافات إحدى التلميذات أن مدير المدرسة كان يستدرج التلميذات إلى مكتبه في فترة الاستراحة لممارسة الجنس عليهن، حيث يقوم باستدعاء بعض الحالات التي تغيب باستمرار، مثلا، أو لها مشاكل مع أساتذتها، ويفرض عليها ممارسة الجنس معه على الفور، حتى لا يقوم بطردها أو استدعاء أولياء أمرها. ولأن هذا الملف قد انطلق من مدينة تطوان، فقد كتب له أن ينتهي في تطوان، أيضا. فقد تم مؤخرا فتح تحقيق مع أستاذ كان يمارس الجنس على تلميذة قاصر، في الوقت الذي كان يقدم لها ساعات إضافية في البيت، حيث يعدها بنقط خيالية في الامتحانات.
عناوين كثيرة، وطرق متعددة، وشبكات خطيرة، والضحية واحدة هي التلميذة القاصر، والعنوان العريض هو "دعارة الثانويات" التي يمارسها الرجال وتذهب ضحيتها التلميذات القاصرات.
دفاع التلميذات القاصرات عبد اللطيف قنجاع لـ"الحياة"
لماذا تأخر البت في هذا الملف، بعد خمس جلسات أمام المكمة الابتدائية بتطوان؟
التأخير الذي عرفه هذا الملف هو تأخير إجرائي، ويعود إلى طلب أحد المتهمين الزواج من إحدى التلميذات.
ولكن هذه التلميذة قاصر؟
نعم، الضحية قاصر، ولم تتجاوز 15 سنة. غير أن القاصر وولي أمرها اتفقا على أن تتزوج الضحية بالمتهم، فقرت المحكمة تأجيل البت في هذا الملف، من أجل أخذ إذن قاضي التوثيق. ولكننا نستبعد أن يعطي الإذن للزواج من هذه القاصر. كما أن هذا المتهم يظل متابعا رغم زواجه من هذه القاصر، مثلا. فالزواج لن يعفيه من العقوبة، لأن هناك ضحايا آخريات، وعددهن أربعة.
بعد الذي تعرضت له هاته التلميذات القاصرات، لفظتهن المؤسسة التعليمية التي كن يتابعن فيها دراستهن. كيف تلقيتم هذا القرار؟
إن الاعتداء على التلميذات، وكذا مسألة عرضهن على المحكمة، قد أثرت فيهن، كقاصرات، تأثيرا كبيرا. وأصبحن غير مهيئات، نفسيا، للعودة إلى المؤسسة. كلام الأصقاء ونظرة المحيط المدرسي إليهن، حيث الجميع على علم بما وقع. وحتى التي انتقلت إلى مؤسسة تعليمية أخرى لم تستطع مواصلة دراستها، بسبب أزمتها النفسية، حيث ظهرت عليها، حينها، بعض الأعراض التي حالت دون استكمال دراستها في الوقت الحالي. وهو ما يؤكده الأخصائي النفسي الذي يتابع حالتها.
هن قاصرات، وتم استدراجهن في أوقات الدراسة، في غفلة من أولياء أمورهن، الذين يعتقدون أن أبناءهم يوجدون في حجرة الدرس. أليس للمؤسسة التعليمية مسؤولية في ما يجري؟
يمكن أن نقول إن الخلل هو في انعدام الحماية التي ينبغي توفيرها للتلاميذ، وهم يتابعون دراستهم في مؤسسة ما. فالآباء يعتقدون أن أبناءهم يوجدون داخل فصول الدراسة، بينما هم عرضة للاستغلال والتغرير والاغتصاب. وهناك اتفاقية بين وزارة التعليم ووزارة الداخلية تتم في بداية الموسم الدراسي، حيث يتم عقد لقاء بين نيابات التعليم والمسؤولين الأمنيين الإقليميين، من أجل توفير الحماية الأمنية للمؤسسات التعليمية. غير أن الأمر يقتصر على هذا اللقاء وتوقيع محضره والانصراف. هناك ترويج مهول لكل أنواع المخدرات أمام المؤسسات التعليمية، وهناك سيارات تتوقف عند مداخل المدارس، ولا يتعلق الأمر بأولياء التلاميذ أو بالإداريين. وتبقى المخدرات وسيلة لاصطياد التلميذات واستدراجهن إلى بيوت الدعارة. وبالنسبة إلى المؤسسات التعليمية، نسجل وجود غيابات كثيرة للتلاميذ والتلميذات، دون أن يتم إشعار الآباء، رغم وفرة وسائل الاتصال اليوم.
وفي حالة الضحية التي كشفت عن هذه الشبكة في هذا الملف، فقد رفضت حارسة الثانوية السماح لها بالدخول، فقط لأنها لا ترتدي ربطة العنق، المفروضة عليها كلباس مدرسي.
وبعد هذه الفضيحة، وبعد تفكيك الشبكة، حاولت إدارة المؤسسة استدراك الأمر، ووجهت رسائل إلى أولياء التلميذات الضحايا الأربع، بتاريخ سابق، بينما كشف خاتم البريد الموضوع على ظرف الرسالة التاريخ الحقيقي لإرسال الإشعار، بعد مدة عشرين يوما من وقوع الجريمة.
لذلك، لا بد من قرار بل قرارات حاسمة، وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في حماية التلاميذ والتلميذات القاصرات في المؤسسة التعليمية
هذه دعارة يمارسها الرجال. أما الفتيات الصبايا من التلميذات القاصرات فهن الضحايا، يتم التغرير بهن لاستدراجهن إلى سرير الجريمة.
أفراد وعصابات، موظفون وأساتذة وإداريون، في بعض الأحيان، وعصابات وشبكات منظمة وغير منظمة، لا تكاد تخلو منها مدينة أو جهة من جهات المغرب، كما سنتابع في هذا الملف، للكشف عن تفاصيل هذه الجريمة.
غير أنها جريمة لا تكاد تنتهي. فقد يكون المقابل ماديا، وقد يكون جرعات من المخدرات تدمنها التلميذات فتستسلمن لممارسات جنسية لا تتوقف. وقد يكون المقابل ضمان النجاح في الامتحان، وقد يكون هناك ما لا يخطر على بال الإنسان، وهذا ما حدث هنا في تطوان.
اليوم الأول
شبكة يقودها مغربي مقيم في بلجيكا وشاب يشتغل بالنجارة. تعرفا على شاب يملك منزلا في جماعة بن قريش، في ملكية والده المتواجد في السجن، وهو منزل يوجد على بعد ستة كيلومترات شرق مدينة تطوان. قاما باستدراج عدد من التلميذات إلى ذلك المنزل، وأغلبهن من نفس المؤسسة التعليمية. وهو ما يرجح، تقول مصادر أمنية، أن فتاة من تلك الثانوية قد دخلت على الخط مع الشبكة، باكرا، لاستدراج بقية الضحايا. غير أن الشخصين المذكورين، الموجودين اليوم رهن الاعتقال، لجآ إلى تسجيل أشرطة فيديو للفتيات وهم يمارسون عليهن الجنس. وبعد ذلك، يتم تهديدهن بتلك الأشرطة، من أجل العودة إلى البيت، والاستسلام لرغباتهم. كان ذلك أكبر مخطط شيطاني لاستدراج التلميذات القاصرات من ثانويات المدينة. فكيف تم تفكيك هذه الشبكة؟ ومن كان وراء ذلك؟
يعود الفضل في ذلك إلى آخر ضحية من ضحايا هذه الشبكة. تلميذة كانت تتواجد رفقة ثلاث من صديقاتها في منطقة بوعنان الغابوية، على الطريق المؤدية إلى جماعة بنقريش المذكورة. ولم تكن تعرف، على حد تصريحاتها، أن سيارة ستلتحق بهما، وعلى متنها الشخصان المذكوران. وبينما رفضت إحدى التلميذات ركوب السيارة، فقد ركبت الفتاة رفقة التلميذتين الأخريين، لتتوجه السيارة مباشرة إلى المنزل المذكور. هناك، حيث كان صاحب المنزل حاضرا رفقة عشيقته غير القاصر، وهناك سوف يقوم مرافق السيارة باقتياد الضحية إلى غرفة النوم، ليرغمها على ممارسة الجنس معه، على حد تصريحاتها، دائما، حيث اغتصبها، رغم مقاومتها، وقام بضربها من أجل الاستجابة لنزواته. قبل أن يأتي دور مشاركه، الذي قام بنفس الممارسة، وباستعمال العنف، وإطلاعها في النهاية على شريط الفيديو الذي تم تصويره للتو. هنا، تروي والدة الضحية، في لقاء مع "الحياة" أن ابنتها عندما كانت تصرخ، تدخل صاحب المنزل وهو يقول لها: "لا جدوى من الصراخ. شحال غوتوا قبل منك أو ما قضاو والو". وهنا، تشير مصادرنا إلى أن ابن صاحب المنزل كان قد تعرض هو الآخر للتهديد، منذ مدة، عندما قام المتهمان المذكوران بتصويره وهو يمارس الجنس رفقة عشيقته البالغة، وهدداه بفضح أمره إذا لم يفتح بيته في وجه نزواتهما. غير أن ابن صاحب المنزل سوف يصرح بأنه لم يكن على علم بعملية تصوير الفتيات ضحايا صديقيه، من خلال وضع حاسوب شخصي أمام السرير، بدعوى تشغيل أغان أو فيلم، بينما كانت كامرا الحاسوب تصور ما يجري فوق سرير الجريمة.
عمر الضحية لا يتجاوز 15 عاما، غير أنها استطاعت تفجير أكبر ملف من ملفات "دعارة الثانويات" في المغرب. بعدما تعرضت لما تعرضت له، لم تستطع الضحية العودة إلى بيت والديها. ولأن المتهمَين، باعترافهما، وبوجود الأدلة، قد حملاها على متن السيارة إلى حي صديقتها، في وقت متأخر، فقد فضلت البقاء في بيت صديقتها، في انتظار التفكير في خلاص لفضيحتها.
في تلك الليلة، كانت والدتها تكاد تجن، وهي تبحث عن ابنتها، رفقة كل العائلة والمقربين. تم إشعار ولاية الأمن بالمدينة، لتتم إحالتهم على الدائرة الأمنية الكائنة بباب العقلة، إحدى بوابات المدينة العتيقة.
في اليوم الموالي
في اليوم الموالي، كانت العائلة قد طَوّفَتْ كل المدينة دون جدوى. غير أن للأم على ابنتها دليلا لا يضل الطريق. قررت الأم الذهاب إلى الثانوية للسؤال عن ابنتها، ولأن ولاية الأمن (الكوميسارية) قريبة كل القرب، فقد قصدت الوالدة هذا المقر، من جديد، لتسألهم عما إذا كانوا قد عثروا على ابنتها. وفي الطريق الأليم، عاينت الأم ابنتها وهي قادمة في اتجاهها. أدركت الأم أن فرحة اللقاء لا يمكن أن تتحقق. وأن ابنتها سوف تهرب منها لا محالة. وهنا، قررت الأم أن تختفي لتتربص بابنتها، إلى حين القبض عليها. أدارت ظهرها لابنتها، عندما اقتربت منها، وادعت أنها تعانق طفلة مرت بالقرب منها. وعندما حاولت الإمساك بابنتها، عندما مرت من أمامها، تعرفت الفتاة الضحية إلى أمها من لون ملابسها، ففرت بعيدا. استنجدت الأم بشباب كانوا بالقرب منها، سألوها: "هل أنت الأم التي كانت تبحث عن ابنتها بالأمس". ووعودها بالقبض عليها، وكذلك كان.
تم القبض على الفتاة، فقادت الأم ابنتها إلى البيت. في تلك الليلة، تجنبت الحديث معها عن أي موضوع، بعدما أقنعتها بأنها باتت مع صديقتها، لأنهما وصلا في وقت متأخر، ولأن تلك الصديقة تقيم في حي خطير، هو المعروف في تطوان بحي "عيساوة"، وما كان لها أن تغادر في ذلك الوقت. حان موعد النوم، وانتبهت الأم إلى أن ابنتها، حتى وقد نامت، فقد كانت في حالة خطيرة، تهتز في فراشها وتهذي وتصرخ وهي نائمة.
اليوم الثالث
في اليوم الثالث، وبعد إصرار الأم، التمست الفتاة الضحية من أمها أن تجلس بعيدا عنها، في كرسي مقابل، حتى تحكي لها تفاصيل ما جرى. قبلت الأم بالمقترح، فاعترفت البنت لأمها بكل الحكاية. حينها فقط، استسلمت الطفلة القاصرة الضحية للنوم، بخلاف والدتها، التي هرعت لزوجها تخبره بما وقع.
الزوج الذي التقت به "الحياة" ليس سوى عامل في مقهى من المقاهي التي لا تحصى في الإقليم. أسر بالموضوع لأحد الجالِسَيْنِ على كراسي المقهى، دون أن يعرف أن الجالس الثاني ليس سوى مقرب من رئيسة جمعية الاتحاد النسائي في الإقليم. وهنا، دخل المجتمع المدني على الخط، ووصل الأمر في الصباح الباكر إلى المصالح الأمنية على مستوى الإقليم. تم الاستماع للضحية، فأصبحت الطريق معبدة نحو تفكيك أخطر شبكة "دعارة الثانويات" في المدينة، وفي المغرب كله.
بعد هذه الشكاية، شرعت المصالح الأمنية في عملية البحث عن المتهمين، لتعثر عليهما، وهما على متن السيارة المشتبه فيها. ولحسن الحظ، فقد عثرت الشرطة، بداخل السيارة، على الأدلة الكافية والمقنعة. تمت مواجهة المتهمين بالأشرطة التي وجدت في الحاسوب، كما تمت مواجهتهم بالتلميذات القاصرات الضحايا. تمت إحالة المتهمين على غرفة الجنايات الابتدائية، وبعد خمس جلسات، لايزال هذا الملف يروج في المحاكم، بينما اتفق أحد المتهمين مع والد إحدى القاصرات على أن يتزوج ابنته عندما تصل سن الرشد، مقابل تنازلها. وإن كان هذا لن يعفيه من الجرائم التي ارتكبها في حق التلميذات القاصرات الأخريات. كما يستبعد أن يوافق قاضي التوثيق على ذلك، يقول دفاع التلميذات القاصرات، في استجواب ننشره ضمن هذا الملف. أما الضحية القاصر التي كشفت عن هذه الشبكة، فقد سعى البعض إلى إقناع أسرتها بالتنازل، وكانت هناك محاولة لشراء صمتها، غير أن الأسرة تطالب بالاقتصاص لابنتها وبرد الاعتبار لكرامتها، هي التي أضاعت سنة دراسية كاملة، بسبب الحالة النفسية التي أصبحت تعيشها، يقول تقرير الطبيب النفسي الذي يباشر علاج التلميذات. ورغم أن الأسرة غيرت محل الإقامة، وحاولت تسجيل ابنتها في مدرسة أخرى، بعيدا عن ثانويتها الأولى، بعدما أصبحت الحكاية حديث التلاميذ والأساتذة، رغم ذلك، لم تستطع التلميذة مواصلة دراستها حاليا. ثم إن الثانوية كانت قد رفضت في البداية إعادة تسجيل التلميذات الضحايا الأربع، الأمر الذي أثر أكثر على نفسيتهن ومستقبلهن، وهن يشعرن بأنهن كائنات غير مرغوب فيهن، رغم أنهن قاصرات غير مسؤولات عما جرى لهن.
من المسؤول عن دعارة الثانويات في المغرب؟
إذا كان القانون الجنائي المغربي قد خص من يمارس الدعارة على القاصرات بأقصى العقوبات، من 5 إلى 10 سنوات، حسب الفصل 471، ومن 10 إلى 20 سنة، بالنسبة إلى هتك العرض مع استعمال العنف، و30 سنة في حال الافتضاض (الفصل 485 و488)، فضلا عن الفصلين 490 و502، والفصل 59 من قانون الصحافة الخاص بتجريم حيازة الأفلام الخليعة والصور المخلة بالحياء، إذا كان ذلك كذلك، فإن الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، كما صادق عليها المغرب سنة 1996، توسع من دائرة المسؤولين عن
"دعارة الثانويات"، لتشمل المؤسسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية وحماية الأطفال. فديباجة الاتفاقية تنص على أن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقائية ورعاية خاصة". أما المادة 3 من الاتفاقية، فتنص على أنه "تكفل الدول الأطراف أن تتقيد المؤسسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية وحماية الأطفال بالمعايير التي وضعتها السلطات المختصة، ولا سيما في مجالي الصحة والسلامة".
في هذا الغلاف، نكشف، أيضا، عدم توفير الحماية للقاصرين في محيطهم المدرسي، بما يجعلهم ضحايا لأبشع عمليات الاستغلال الجنسي، كما أكدت ذلك الوقائع في مدن كثيرة، تشمل كل جهات المغرب.
إدمان الدعارة أو الدعارة الحمراء
تقترن دعارة الثانويات في المغرب بالإدمان، بشكل لافت. وفي قضية تطوان، تم صب الخمر للفتيات الضحايا، إضافة إلى سجائر محشوة بالحشيش، كما جاء في اعترافات الضحايا والمتهمين، قبل استدراجهن إلى ممارسة الجنس.
وفي السنة الماضية، تم القبض على فرنسي كان يستدرج تلميذات قاصرات، وكان يناولهن الخمر، قبل أن يستجبن لرغباته. وقد كشفت التحقيقات مع الفتيات أنهن كن يقصدن شقته المجاورة للثانوية، بهدف احتساء الخمر التي يوفرها لهن، فضلا عن بعض المبالغ المالية. وفي نفس المدينة، تم القبض، في ماي 2008، على شخص وفتاة راشدة كانا يعملان ضمن شبكة متخصصة في التغرير بالقاصرات، وجلبهن لفائدة بعض الأشخاص في شقق مفروشة. وكانت طريقة الاستدراج تتم عبر مناولتهن الخمر، وبعدها يلتحق بالشقة من سيقوم باستغلالهن جنسيا. وتقول التحريات الأمنية إن الأمر يتعلق بشبكة خطيرة تنشط على مستوى المدينة، وأنه رغم اعتقال الاثنين، إلا أنهما لم يكشفا عن باقي أفراد الشبكة. وهو ما يؤكد مدى خطورة هذه الشبكة المتعددة الأطراف. وفي نفس الفترة، كانت المصالح الأمنية بمدينة أكادير قد أوقفت ثلاثة أشخاص بالمدينة، كانوا يقومون باستدراج الفتيات إلى بعض الشقق المفروشة، لممارسة الجنس عليهن، بعد أمسيات حمراء لاحتساء الخمر. وقد تم القبض على عدد من الأشخاص في هذه الشبكة، بسبب لجوء المتابعين الثلاثة إلى تصوير الضحايا من التلميذات القاصرات في أوضاع جنسية مع بعض الأشخاص. وفي مدينة فاس، فككت المصالح الأمنية شبكة مماثلة في ربيع 2009، كانت تنشط في ما نسميه في هذا الملف "دعارة الثانويات"، التي يمارسها هؤلاء في حق التلميذات القاصرات.
الثانويات ومقاهي الشيشة والحشيش
بمدينة الدار البيضاء، كانت آخر شبكة متخصصة في هذا الملف قد ألقي القبض على عناصرها في مقهى للشيشة في قلب المدينة. وتنتشر مجموعة من مقاهي الشيشة إلى اليوم في محيط الثانويات، في أهم شوارع المدينة.
تقول إحدى العاملات سابقا في مقهى للشيشة بالمدينة إن مجموعة من التلميذات يترددن على المقهى، وبعدها يقمن باكتشاف الشيشة. وهناك من يقدم لهن حشيشا في الشيشة من أجل تجريبه. ولأنه ممنوع في المقهى، يطلب منهن الذهاب إلى بعض الشقق بهدف التعاطي للشيشة، رفقة الحشيش. ومن هنا، يتم اقتياد الضحايا إلى ممارسة الجنس. انتهى كلام العاملة في المقهى. وفي مدينة فاس، تم القبض في السنة الماضية على شبكة متخصصة في التلميذات، كانت تصطادهن من نفس المقهى الذي يقدم الشيشة للزبناء. وقد كشفت ثلاث تلميذات من اللواتي تم التحقيق معهن أنه تم استدراجهن من نفس المقهى، ليتم فتح تحقيق، بعدها، مع صاحب المقهى نفسه، الذي نفى أي علم له بما تقوم به التلميذات، كما نفى أن يكون سمح لأية فتاة قاصر بتعاطي الشيشة داخل المقهى التي يملكها.
وبالعودة إلى مدينة تطوان، وبحكم رواج الحشيش في هذه المدينة الحدودية، أصبح محيط الثانويات فضاء لترويج المخدرات، تذهب ضحيته التلميذات بالأساس، خاصة وأنهن لا يمكن أن يدخن في الشارع العمومي، فبالأحرى عندما يتعلق الأمر بالمخدرات. وهذا ما يدفعهن إلى قبول أي عرض بالدخول إلى إحدى الشقق المفروشة لتعاطي المخدرات. والنتيجة، في النهاية، ممارسة الجنس.
والخطير في الأمر، يقول بعض الأساتذة الذين التقت بهم "الحياة"، أنك تجد أمام كل مؤسسة تعليمية شخصا أو شخصين يبيعان الحلويات والسجائر لفائدة التلاميذ، فوق عربات خشبية أو شبه أكشاك صغيرة، مع أن أغلبهم يشتبه في أنه يبيع المخدرات بالتقسيط.
اختراق المحيط المدرسي وغياب الأمن والإدارة
كما جاء في تصريحات المحامي عبد اللطيف قنجاع في هذا الملف، فإن المشكلة تبدأ من المؤسسة التعليمية نفسها، في غياب حماية أمنية، وفي غياب متابعة الإدارة لغيابات التلاميذ، وعدم إشعار أولياء الأمور بالتغيبات. أما بالنسبة إلى المصالح الأمنية، فيفترض فيها أن تضمن تواجدا أمنيا أمام كل مؤسسة تعليمية، خلال كل يوم، من الثامنة إلى السادسة مساء. وهو ما لا يقوم به هؤلاء، رغم أن المصالح الأمنية الإقليمية تجتمع مع المسؤولين في نيابات التعليم بداية كل سنة، من أجل توفير الحماية الأمنية أمام المؤسسات التعليمية. وهو ما يسمح لعدد من الأشخاص بالوقوف لساعات أمام أبواب الثانويات، ينتظرون سقوط أية تلميذة في مصيدتهم وصعودها إلى السيارة. "مشهد يتكرر كل ساعة أمام الثانوية"، يقول أحد الأساتذة.
وماذا عن الأساتذة والإدارة؟
إذا كانت التلميذة القاصر لا تتوفر على حماية أمنية في محيط المدرسة، كما أن عددا من الإدارات لا تبلغ الأسر بتغيب أبنائها عن فصول الدراسة، فإن التلميذات القاصرات لم يسلمن من الاستغلال الجنسي، حتى على يد مدير المؤسسة نفسه، كما وقع في طنجة في شهر أبريل من السنة الماضية، عندما كشفت اعترافات إحدى التلميذات أن مدير المدرسة كان يستدرج التلميذات إلى مكتبه في فترة الاستراحة لممارسة الجنس عليهن، حيث يقوم باستدعاء بعض الحالات التي تغيب باستمرار، مثلا، أو لها مشاكل مع أساتذتها، ويفرض عليها ممارسة الجنس معه على الفور، حتى لا يقوم بطردها أو استدعاء أولياء أمرها. ولأن هذا الملف قد انطلق من مدينة تطوان، فقد كتب له أن ينتهي في تطوان، أيضا. فقد تم مؤخرا فتح تحقيق مع أستاذ كان يمارس الجنس على تلميذة قاصر، في الوقت الذي كان يقدم لها ساعات إضافية في البيت، حيث يعدها بنقط خيالية في الامتحانات.
عناوين كثيرة، وطرق متعددة، وشبكات خطيرة، والضحية واحدة هي التلميذة القاصر، والعنوان العريض هو "دعارة الثانويات" التي يمارسها الرجال وتذهب ضحيتها التلميذات القاصرات.
دفاع التلميذات القاصرات عبد اللطيف قنجاع لـ"الحياة"
لماذا تأخر البت في هذا الملف، بعد خمس جلسات أمام المكمة الابتدائية بتطوان؟
التأخير الذي عرفه هذا الملف هو تأخير إجرائي، ويعود إلى طلب أحد المتهمين الزواج من إحدى التلميذات.
ولكن هذه التلميذة قاصر؟
نعم، الضحية قاصر، ولم تتجاوز 15 سنة. غير أن القاصر وولي أمرها اتفقا على أن تتزوج الضحية بالمتهم، فقرت المحكمة تأجيل البت في هذا الملف، من أجل أخذ إذن قاضي التوثيق. ولكننا نستبعد أن يعطي الإذن للزواج من هذه القاصر. كما أن هذا المتهم يظل متابعا رغم زواجه من هذه القاصر، مثلا. فالزواج لن يعفيه من العقوبة، لأن هناك ضحايا آخريات، وعددهن أربعة.
بعد الذي تعرضت له هاته التلميذات القاصرات، لفظتهن المؤسسة التعليمية التي كن يتابعن فيها دراستهن. كيف تلقيتم هذا القرار؟
إن الاعتداء على التلميذات، وكذا مسألة عرضهن على المحكمة، قد أثرت فيهن، كقاصرات، تأثيرا كبيرا. وأصبحن غير مهيئات، نفسيا، للعودة إلى المؤسسة. كلام الأصقاء ونظرة المحيط المدرسي إليهن، حيث الجميع على علم بما وقع. وحتى التي انتقلت إلى مؤسسة تعليمية أخرى لم تستطع مواصلة دراستها، بسبب أزمتها النفسية، حيث ظهرت عليها، حينها، بعض الأعراض التي حالت دون استكمال دراستها في الوقت الحالي. وهو ما يؤكده الأخصائي النفسي الذي يتابع حالتها.
هن قاصرات، وتم استدراجهن في أوقات الدراسة، في غفلة من أولياء أمورهن، الذين يعتقدون أن أبناءهم يوجدون في حجرة الدرس. أليس للمؤسسة التعليمية مسؤولية في ما يجري؟
يمكن أن نقول إن الخلل هو في انعدام الحماية التي ينبغي توفيرها للتلاميذ، وهم يتابعون دراستهم في مؤسسة ما. فالآباء يعتقدون أن أبناءهم يوجدون داخل فصول الدراسة، بينما هم عرضة للاستغلال والتغرير والاغتصاب. وهناك اتفاقية بين وزارة التعليم ووزارة الداخلية تتم في بداية الموسم الدراسي، حيث يتم عقد لقاء بين نيابات التعليم والمسؤولين الأمنيين الإقليميين، من أجل توفير الحماية الأمنية للمؤسسات التعليمية. غير أن الأمر يقتصر على هذا اللقاء وتوقيع محضره والانصراف. هناك ترويج مهول لكل أنواع المخدرات أمام المؤسسات التعليمية، وهناك سيارات تتوقف عند مداخل المدارس، ولا يتعلق الأمر بأولياء التلاميذ أو بالإداريين. وتبقى المخدرات وسيلة لاصطياد التلميذات واستدراجهن إلى بيوت الدعارة. وبالنسبة إلى المؤسسات التعليمية، نسجل وجود غيابات كثيرة للتلاميذ والتلميذات، دون أن يتم إشعار الآباء، رغم وفرة وسائل الاتصال اليوم.
وفي حالة الضحية التي كشفت عن هذه الشبكة في هذا الملف، فقد رفضت حارسة الثانوية السماح لها بالدخول، فقط لأنها لا ترتدي ربطة العنق، المفروضة عليها كلباس مدرسي.
وبعد هذه الفضيحة، وبعد تفكيك الشبكة، حاولت إدارة المؤسسة استدراك الأمر، ووجهت رسائل إلى أولياء التلميذات الضحايا الأربع، بتاريخ سابق، بينما كشف خاتم البريد الموضوع على ظرف الرسالة التاريخ الحقيقي لإرسال الإشعار، بعد مدة عشرين يوما من وقوع الجريمة.
لذلك، لا بد من قرار بل قرارات حاسمة، وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في حماية التلاميذ والتلميذات القاصرات في المؤسسة التعليمية